الشيخ القشم رمز العطاء المثمر في زمن الجدب .
كتبه د. عبدالمجيب حسين مثنى الردفاني
......
لكوني عضو هيئة التدريس في كلية صبر للعلوم والتربية، فقد جمعتني زمالة مهنة التدريس بمجموعة من أبناء مديرية الشعيب، وسرعان ما تحولت هذه الزمالة إلى صداقة حقيقية وعلاقة أخوية أعتز بها، وبحكم الجلسات الطويلة - خصوصا جلسات المقايل - التي نقضيها معا، فقد لفت نظري وشد انتباهي اسم يتكرر على لسان كل واحد منهم، عندما يذكرون أي عمل خيري أو أي مشروع تنموي أو أهلي أو إنساني، ألا وهو اسم (الشيخ القشم)، حتى لكأنه أصبح موضع إجماع متفق عليه، ينبغي ذكره عند ذكر أعمال الخير، بل حتى لنشعر أن الرجل تربطه علاقة نسب بالخير، فلكأنه ابن الخير، أو لكأنه أبوه، بل لكأنه أبوه وابنه معًا، ولا نغالي إن قلنا إنه الخير نفسه.
وعليه؛ فقد تشبّعت أسماعنا بذكره، والثناء عليه، وشكره، وتقديره، فقرّت له العيون دونما تراه، واطمأنّت له السرائر والخواطر، وانبسطت له النفوس، وأحبته القلوب، فعظم في العقول والأذهان.
قبل يومين، وأنا أقرأ خبر تدشين النظام الإلكتروني الشامل لكلية ردفان الجامعية، وكان بدعم من رجل الخير، أبا مطهر الشيخ محسن ناصر القشم، فشعرت إني أنا شخصيًا قد حظيت بنصيب وافر من هذه المكرمة العلمية الكبيرة، لاعتبارات عدة، منها لأنني من أبناء مديرية ردفان، ولأني أنتمي لجامعة لحج، التي تقع في إطارها كلية ردفان الجامعية، بالرغم من عملي في كلية صبر، ولذلك شعرت بأني قد حصلت على نصيبي الوافر من هذه المكرمة، فرأيت أنه من الواجب - ومن باب رد الجميل وفقًا للمتاح - أن تكون لنا كتابات تنصف مثل هذه الهامات الجامعة للقيم الوطنية والثورية والنضالية والعلمية والثقافية والدينية والإنسانية والرياضية، وهذا هو حال شخصية أبي مطهر الشيخ محسن ناصر القشم، الذي وجدنا بصماته متعددة ومتنوعة بتعدد مسارات الحياة، وبتنوع جوانبها واتجاهاتها، واستطاع أن يؤسس مدرسة أخلاقية إنسانية خيرية قيمية رفيعة، تجسدت مخرجاتها بصورة ملحوظة ومشرفة على أرض الواقع، وترسخت جذور زراعتها الخيّرة في عمق البنية المجتمعية، حتى أضحت يانعة مثمرة، يقطف من عناقيد ثمارها المتدلية أبناء الوطن على مختلف الأصعدة والمسارات.
حينما تواصلت مع أحد الزملاء والأصدقاء لمعرفة المزيد عن مآثر الخير التي جسدها الشيخ القشم، فقد أصابني الاندهاش والذهول، بعد أن سرد لي بعضا منها، فأحسست أني أقف أمام بحر لا نهاية له، تتلاطم أمواج خيره وإفضاله في جميع الاتجاهات في آن واحد، ممتد حتى لا حدود له، وعميق يستحيل الغوص إلى عمقه وأغواره، أو قل أحسست أننا مع غيث مغدق، تنهمر رشاشات خيراته انهمارا بغزارة وسخاء، وبغير رعود ولا بروق ولا رياح، حتى ترتوي من فيض سيول جوده كثير من النفوس العاطشة المستحقة للارتواء. إنه يعطي بصمت، ويقدم ويجود بطيبة نفس، بغير ضجة ولا صخب، لأنه لم يبحث عن صيت ولا عن شهرة، وهذا أيضا سبب آخر ووجيه، شجعني على الكتابة، بعدما رأينا - في هذه الأيام - كثيرا من الكتابات التي تمجد شخصيات سياسية أو عسكرية لم تقدم للمجتمع شيئا يستحق ذكره، بقدر ما أجادت الاهتمام بمصالحها الخاصة؛ لذلك فأمثال الشيخ القشم فقط هم من يستحقون الكتابة، وتمجيد أعمالهم الخيرية والاجتماعية والإنسانية الشريفة في الوعي الجمعي.
وبعد أن سرد لي زميلي سلسلة من الإسهامات الخيرية التي قدمها الشيخ القشم، فقد سألته عن المكان الذي ينتمي له، فأخبرني إنه من العوابل، فقلتُ: حقًا إنه جبل العوابل يتفجر نهرًا سائغا سلسبيلا، يتفجر سيلا من العطاء والخير والمكارم والفضائل، وينساب شلالات ساكبة، تنصب من ثنايا مسارها وانحدارها جملة القيم والشيم ومكارم الإخلاق، التي تهتز لها حياة الأحياء من حوله، والتي يستحق عليها بعد الله أن يثنى وأن يشكر .
والحقيقة المجمع عليها، أن الشيخ محسن ناصر القشم، شخصية نضالية ووطنية مرموقة، ومن الشخصيات البارزة على الساحة الجنوبية، التي يشار لها بالبنان، فهو من أوائل الداعمين للثورة الجنوبية، وكذلك من داعمي جرحى الجنوب وأسر الشهداء والجاليات الجنوبية، ويحظى باحترام الجميع.
كما أن له يد سابغة في كثير من أعمال الخير الاجتماعية والتنموية والخدمية والثقافية والدينية والعلمية والرياضية والإنسانية، فهو صاحب الحضور الإيجابي اللافت والمتميز في ميادين الحياة المختلفة.
ونحن هنا لسنا بصدد سرد تفاصيل سيرة العطاء العطرة له، بل سنسرد بعض سيرة أفعاله، كدليل على ما نقول فقط، التي تجسدت واقعا حيا ملموسا، وشاهدا صريحا على مسالك الخير والعطاء التي انتهجها، ذلك أن سيرة العظماء هي السير التي تكتبها أفعالهم، وتترجمها وقائعهم، وتخلدها مآثرهم الحقة، بوصفها حقائق ملموسة وشاخصة للعيان، لا يستطيع أحد نكرانها.
فإذا شئت أن تتعطر ببعض من أريج سيرته الزكية، فهاك بعضها، وهي إسهامات كان في بعضها داعمها الوحيد، وفي بعضها الآخر كان داعما أساسيا لها إلى جانب بقية أخيار الشعيب في الداخل والخارج :
- تكريم وتشجيع الطلبة الأوائل والمتفوقين وحملة الشهادات العليا.
- دعم مشروع مياه الشعيب وطرقاتها.
- رص شوارع مديرية الشعيب وإيجاد مقلب.
- دعم المسابقات الثقافية ومسابقات حفظ القرآن الكريم.
- دعم المعلمين، وتكريم القدامى منهم.
- دعم الأنشطة الرياضية.
- دعم الجرحى والمرضى وأسر الشهداء والفقراء.
- دعم التعليم الجامعي، ومنه دعم كلية ردفان بالنظام الإلكتروني الشامل.
- دعم أنشطة الجمعيات الخيرية، ومنها جمعية الضالع م/عدن، وجمعية العوابل، وغيرها من الجمعيات الخيرية.
- إنشاء الملاعب في الشعيب، أهمها ملعب الشهداء.
- المشاركة في تعبيد وشق كثير من الطرق، منها طريق العوابل المضو، إقذيذ ثوان العوابل، بخال بناء، العوابل الصلئة القهرة، وطريق الشهيد شريبة حالمين.
- دعم مستشفى الشعيب.
- إنشاء السكن الطلابي لأبناء العوابل في العاصمة عدن.
- دعم بناء مقر جمعية الضالع في عدن.
- دعم مشروع مياه جبل العوابل إلى عاصمة المديرية وضواحيها.
- دعم حل بعض القضايا الاجتماعية.
- إنشاء المساجد والمدارس.
- من مؤسسي صندوق دعم المرضى في الشعيب، ومن كبار داعميه.
- مؤسس وداعم منتدى القشم الثقافي التنموي الشعيب، الذي يتبنى المسابقات الشعرية والثقافية والدينية والرياضية، لتفجير طاقات الشباب، وتشجيع المواهب المبدعة، بمختلف توجهاتها.
هذه بعض من إسهاماته، وهي غيض من فيض، لإيادي السماحة والخير والبناء، ولشخص تشربت روحه وخلقه، من مناهل القيم والشيم وكؤوس الأصاله والنبالة والوفاء والكرم، حتى ارتوت، أكثر مما تشرب جسمه من كؤوس الماء، ولنفوس جبلت وفطرت على على مكارم الأخلاق وعلى فعل الخير والفضيلة.
إنه الخير، بل الخير هو، فلمثله نرفع القبعات ونحني الهامات، ومثله تاج يعز ويصان، ولا مكان للتاج إلا على الرؤوس، فهو يعلو ولا يعلى عليه، إلا العلي العظيم.
فدام خيرك وعطاؤك وتألقك الإنساني أبا مطهر، ودمت - كما عهدناك - ذخرا وسندا مجتمعيا، ورمزا بارزا من رموز الخير والعطاء في زمن الجدب والتشظي، الذي يفتقد كثيرا لأمثال شخصك الكريم.